فصل: تفسير الآية رقم (234):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (233):

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}
{والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن} أمر أخرج مخرج الخبر مبالغة ومعناه الندب أو الوجوب إن خص بما إذا لم يرتضع الصبي إلا من أمه أو لم يوجد له ظئر أو عجز الوالد عن الاستئجار والتعبير عنهن بالعنوان المذكور لاستعطافهن نحو أولادهن والحكم عام للمطلقات وغيرهن كما يقتضيه الظاهر، وخصه بعضهم بالوالدات المطلقات وهو المروي عن مجاهد وابن جبير وزيد بن أسلم، واحتج عليه بأمرين: الأول: أن الله تعالى ذكر هذه الآية عقيب آيات الطلاق فكانت من تتمتها وإنما أتمها بذلك لأنه إذا حصلت الفرقة را يحصل التعادي والتباغض وهو يحمل المرأة غالبًا على إيذاء الولد نكاية بالمطلق وإيذاءًا له ورا رغبت في التزوج بآخر وهو كثيرًا ما يستدعي إهمال أمر الطفل وعدم مراعاته فلا جرم أمرهن على أبلغ وجه برعاية جانبه والاهتمام بشأنه، والثاني: أن إيجاب الرزق والكسوة فيما بعد للمرضعات يقتضي التخصيص إذ لو كانت الزوجية باقية لوجب على الزوج ذلك بسبب الزوجية لا الرضاع، وقال الواحدي: الأولى أن يخص بالوالدات حال بقاء النكاح لأن المطلقة لا تستحق الكسوة وإنما تستحق الأجرة ولا يخفى أن الحمل على العموم أولى ولا يفوت الغرض من التعقيب؛ وإيجاب الرزق والكسوة للمرضعات لا يقتضي التخصيص لأنه باعتبار البعض على أنه على ما قيل: ليس في الآية ما يدل على أنه للرضاع ومن قال: إنه له جعل ذلك أجرة لهن إلا أنه لم يعبر بها وعبر صرفها الغالب حثًا على إعطائها نفسها لذلك أو إعطاء ما تصرف لأجله فتدبر.
{حَوْلَيْنِ} أي عامين والتركيب يدور على الانقلاب وهو منصوب على الظرفية و{كَامِلَيْنِ} صفته، ووصف بذلك تأكيدًا لبيان أن التقدير تحقيق لا تقريبي مبني على على المسامحة المعتادة {لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة} بيان للمتوجه عليه الحكم، والجار في مثله خبر لمحذوف أي ذلك لمن أراد إتمام الرضاعة وجوز أن يكون متعلقًا بيرضعن فإن الأب يجب عليه الإرضاع كالنفقة للأم والأم ترضع له وكون الرضاع واجبًا على الأب لا ينافي أمرهن لأنه للندب أو لأنه يجب عليهن أيضًا في الصور السابقة. واستدل بالآية على أنّ أقصى مدة الإرضاع حولان ولا يعتد به بعدهما فلا يعطى حكمه وأنه يجوز أن ينقص عنهما، وقرئ {أَن يُتِمَّ} بالرفع واختلف في توجيهه فقيل: حملت أن المصدرية على ما أختها في الإهمال كما حملت أختها عليها في الأعمال في قوله صلى الله عليه وسلم: «كما تكونوا يولى عليكم» على رأي، وقيل: أن يتموا بضمير الجمع باعتبار معنى من وسقطت الواو في اللفظ لالتقاء الساكنين فتبعها الرسم.
{وَعلَى المولود لَهُ} أي الوالد فإن الولد يولد له وينسب إليه ولم يعبر به مع أنه أخصر وأظهر للدلالة على علة الوجوب بما فيه من معنى الانتساب المشيرة إليه اللام وتسمى هذه الإشارة إدماجًا عند أهل البديع وإشارة النص عندنا، وقيل: عبر بذلك لأن الوالد قد لا تلزمه النفقة وإنما تلزم المولود له كما إذا كانت تحته أمة فأتت بولد فإن نفقته على مالك الأم لأنه المولود له دون الوالد، وفيه بعد لأن المولود له لا يتناول الوالد والسيد تناولًا واحدًا وحكم العبيد دخيل في البين {رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} أي إيصال ذلك إليهن أي الوالدات أجرة لهن، واستئجار الأم جائز عند الشافعي وعندنا لا يجوز ما دامت في النكاح أو العدة {بالمعروف} أي بلا إسراف ولا تقتير أو حسب ما يراه الحاكم ويفي به وسعه. {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} تعليل لإيجاب المؤن بالمعروف أو تفسير للمعروف ولهذا فصل وهو نص على أنه تعالى لا يكلف العبد بما لا يطيقه ولا ينفي الجواز والإمكان الذاتي فلا ينتهض حجة للمعتزلة، ونصب {وُسْعَهَا} على أنه مفعول ثان لتكلف وقرئ و{لا تكلف} بفتح التاء و{لا نكلف} بالنون.
{لاَ تُضَارَّ والدة بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ بِوَلَدِهِ} تفصيل لما يفهم من سابقه وتقريب له إلى الفهم وهو الداعي للفصل، والمضارة مفاعلة من الضرر، والمفاعلة إما مقصودة والمفعول محذوف أي تضار والدة زوجها بسبب ولدها وهو أن تعنف به وتطلب ما ليس بعدل من الرزق والكسوة وأن تشغل قلبه بالتفريط في شأن الولد وأن تقول بعد أن ألفها الصبي أطلب له ظئرًا مثلًا ولا يضار مولود له امرأته بسبب ولده بأن يمنعها شيئًا مما وجب عليه من رزقها وكسوتها، أو يأخذ الصبي منها وهي تريد إرضاعه أو يكرهها على الإرضاع وإما غير مقصودة، والمعنى لا يضر واحد منهما الآخر بسبب الولد، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب {لا تضار} بالرفع فتكون الجملة نزلة بدل الاشتمال مما قبلها، وقرأ الحسن {تضار} بالكسر وأصله تضار مكسور الراء مبنيًا للفاعل وجوز فتحها مبنيًا للمفعول، ويبين ذلك أنه قرئ {ولا تضارر}، {ولا تضارر} بالجزم وفتح الراء الأولى وكسرها، وعلى تقدير البناء للمفعول يكون المراد النهي عن أن يلحق بها الضرار من قبل الزوج وأن يلحق الضرار بالزوج من قبلها بسبب الولد، والباء على كل تقدير سببية ولك أن تجعل فاعل عنى فعل والباء سيف خطيب، ويكون المعنى لا تضر والدة ولدها بأن تسيء غذاءه وتعهده وتفرط فيما ينبغي له وتدفعه إلى الأب بعدما ألفها ولا يضر الوالد ولده بأن ينزعه من يدها أو يقصر في حقها فتقصر هي في حقه، وقرأ أبو جعفر {لا تضار} بالسكون مع التشديد على نية الوقف، وعن الأعرج {لا تضار} بالسكون والتخفيف، وهو من ضار يضير ونوى الوقف كما نواه الأول، وإلا لكان القياس حذف الألف، وعن كاتب عمر رضي الله تعالى عنه {لا تضرر} والتعبير بالولد في الموضعين، وإضافته إليها تارة وإليه أخرى للاستعطاف، والإشارة إلى ما هو كالعلة في النهي ولذا أقام المظهر مقام المضمر، ومن غريب التفسير ما رواه الإمامية عن السيدين الصادق والباقر رضي الله تعالى عنهما أن المعنى لا تضار والدة بترك جماعها خوف الحمل لأجل ولدها الرضيع ولا يضار مولود له نعه عن الجماع كذلك لأجل ولده، وحينئذٍ تتعين الباء للسببية، ويجب أن يكون الفعلان مبنيين للمفعول ولا يظهر وجه لطيف للتعبير بالولد في الموضعين، وتخرج الآية عما يقتضيه السياق، وبعيد عن الباقر والصادق الإقدام على ما زعمه هذا الراوي الكاذب.
{وَعَلَى الوارث مِثْلُ ذلك} عطف على قوله تعالى: {وَعلَى المولود لَهُ} إلخ وما بينهما تعليل أو تفسير معترض والمراد بالوارث وارث الولد فإنه يجب عليه مثل ما وجب على الأب من الرزق والكسوة بالمعروف إن لم يكن للولد مال، وهو التفسير المأثور عن عمر وابن عباس وقتادة ومجاهد وعطاء وإبراهيم والشعبي وعبد الله بن عتبة وخلق كثير، ويؤيده أن أل كالعوض عن المضاف إليه الضمير ورجوع الضمير لأقرب مذكور وهو الأكثر في الاستعمال، وخص الإمام أبو حنيفة هذا الوارث بمن كان ذا رحم محرم من الصبي، وبه قال حماد ويؤيده قراءة ابن مسعود {وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك}، وقيل: عصباته؛ وبه قال أبو زيد، ويروى عن عمر رضي الله تعالى عنه ما يؤيده، وقال الشافعي: المراد وارث الأب وهو الصبي أي مؤن الصبي من ماله إذا مات الأب، واعترض أن هذا الحمل يأباه أنه لا يخص كون المؤنة في ماله إذا مات الأب بل إذا كان له مال لم يجب على الأب أجرة الإرضاع بل يجب عليه النفقة على الصبي وأجرة الإرضاع من مال الصبي بحكم الولاية وفيه نظر، وقيل: المراد الباقي من الأبوين، وقد جاء الوارث عنى الباقي كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني» قيل: وهذا يوافق مذهب الشافعي إذ لا نفقة عنده فيما عدا الولاد ولا يخفى ما في ذلك من البحث لأن من إن كانت للبيان لزم التكرار أو الركاكة أو ارتكاب خلاف الظاهر، وإن كانت للابتداء كان المعنى الباقي غير الأبوين وهو يجوز أن يكون من العصبات أو ذوي الأرحام الذين ليست قرابتهم قرابة الولاد وكون ذلك موافقًا لمذهب الشافعي إنما يتأتى إذا تعين كون الباقي ذوي قرابة الولاد وليس في اللفظ ما يفيده كما لا يخفى.
{فَإِنْ أَرَادَا} أي الوالدان {فِصَالًا} أي فطامًا للولد قبل الحولين وهو المروي عن مجاهد وقتادة وأهل البيت، وقيل: قبلهما أو بعدهما وهو مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعلى الأول: يكون هذا تفصيلًا لفائدة {لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ} وبيانًا لحكم إرادة عدم الإتمام، والتنكير للإيذان بأنه فصال غير معتاد، وعلى الثاني: توسعة في الزيادة والتقليل في مدة الرضاعة بعد التحديد والتنكير للتعميم، ويجوز على القولين أن يكون للإشارة إلى عظمه نظرًا للصبي لما فيه من مفارقة المألوف {عَن تَرَاضٍ} متعلق حذوف ينساق إليه الذهن وإن كان كونًا خاصًا أي: صادرًاعن تراض وجوز أن يتعلق بأراد {مِنْهُمَا} أي الوالدين لا من أحدهما فقط لاحتمال إقدامه على ما يضر الولد بأن تمل الأم أو يبخل الأب {وَتَشَاوُرٍ} في شأن الولد وتفحص أحواله وهو مأخوذ من الشور وهو اجتناء العسل وكذا المشاورة والمشورة والمشورة والمراد من ذلك استخراج الرأي وتنكيره للتفخيم. {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} في ذلك وإنما اعتبر رضا المرأة مع أن ولي الولد هو الأب وصلاحه منوط بنظره مراعاة لصلاح الطفل لأن الوالدة لكمال شفقتها على الصبي را ترى ما فيه المصلحة له.
{وَإِنْ أَرَدْتُّمُ} خطاب للآباء هزًا لهم للامتثال على تقدير عدم الاتفاق على عدم الفطام {أَن تَسْتَرْضِعُواْ أولادكم} بحذف المفعول الأول استغناءًا عنه أي تسترضعوا المراضع أولادكم من أرضعت المرأة طفلًا واسترضعتها إياه كقولك أنجح الله تعالى حاجتي واستنجحتها إياه، وقد صرح الإمام الكرماني بأن الاستفعال قد جاء لطلب المزيد كالاستنجاء لطلب الإنجاء والاستعتاب لطلب الاعتاب وصرح به غيره أيضًا فلا حاجة إلى القول بأنه من رضع عنى أرضع ولم يجعل من الأول أول الأمر لعدم وجوده في كلامهم فإنه عزل عن التحقيق، وقيل: إن استرضع إنما يتعدى إلى الثاني بحرف الجر يقال: استرضعت المرأة للصبي والمراد: أن تسترضعوا المراضع لأولادكم فحذف الجار كما في قوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ} [المطففين: 3] أي كالوا لهم {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} أي في ذلك، واستدل بالإطلاق على أن للزوج أن يسترضع للولد ويمنع الزوجة من الإرضاع وهو مذهب الشافعية، وعندنا أن الأم أحق برضاع ولدها وأنه ليس للأب أن يسترضع غيرها إذا رضيت أن ترضعه لقوله تعالى: {والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن} وبه يخصص هذا الإطلاق وإلى ذلك يشير كلام ابن شهاب {إِذَا سَلَّمْتُم} إلى المراضع {مَّا ءاتَيْتُم} أي ضمنتم والتزمتم أو أردتم إتيانه لئلا يلزم تحصيل الحاصل، وقرأ ابن كثير {أتيتم} من أتى إليه إحسانًا إذا فعله، وشيبان عن عاصم {أوتيتم} أي ما آتاكم الله تعالى وأقدركم عليه من الأجرة {بالمعروف} متعلق بسلمتم أي بالوجه المتعارف المستحسن شرعًا وجوز أن يتعلق بآتيتم وأن يكون حالًا من فاعله أو فاعل الفعل الذي قبله، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله وليس التسليم شرطًا لرفع الإثم بل هو الأولى والأصلح للطفل فشبه ما هو من شرائط الأولية بما هو من شرائط الصحة للاعتناء به فاستعير له عبارته، وقيل: لا حاجة إلى هذا لأن نفي الإثم بتسليم الأجرة مطلقًا غير مقيد بتقديمها عليه يعني لا جناح عليكم في الاسترضاع لو لم تأثموا بالتعدي في الأجرة وتظلموا الأجير، وفيه تأمل لأن الإثم إذا لم يسلم بعد إنما هو بالتعدي، والاسترضاع كان قبل خاليًا عما يوجب الإثم {واتقوا الله} في شأن مراعاة الأحكام {واعلموا أَنَّ الله بما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لا تخفى عليه أعمالكم فيجازيكم عليها، وفي إظهار الاسم الجليل تربية للمهابة، وفي الآية من التهديد ما لا يخفى.

.تفسير الآية رقم (234):

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}
{والذين} مبتدأ {يُتَوَفَّوْنَ} أي تقبض أرواحهم فإن التوفي هو القبض يقال: توفيت مالي من فلان واستوفيته منه أي قبضته وأخذته. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه فيما رواه أبو عبد الرحمن السلمي عنه والمفضل عن عاصم {يُتَوَفَّوْنَ} بفتح الياء أي يستوفون آجالهم فعلى هذا يقال للميت متوفي عنى مستوف لحياته، واستشكل بما حكي أن أبا الأسود كان خلف جنازة فقال له رجل: من المتوفي؟ بكسر الفاء فقال: الله تعالى وكأن هذا أحد الأسباب لعلي كرم الله تعالى وجه على أن أمره بوضع كتاب النحو، وأجاب السكاكي بأن سبب التخطئة أن السائل كان ممن لم يعرف وجهه صحته فلم يصلح للخطاب به {مّنكُمْ} في محل نصب على الحال من مرفوع {يُتَوَفَّوْنَ} ومن تحتمل التبعيض وبيان الجنس والخطاب لكافة الناس بتلوين الخطاب {وَيَذَرُونَ} أي يتركون ويستعمل منه الأمر ولا يستعمل اسم الفاعل ولا اسم المفعول وجاء الماضي على شذوذ {أزواجا} أي نساءًا لهم.
{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} خبر عن {الذين} والرابط محذوف أي لهم أو بعدهم، ورجح الأول: بقلة الإضمار وا في اللام من الإيماء إلى أن العدة حق المتوفى، وقيل: خبر لمحذوف أي أزواجهم يتربصن، والجملة خبر {الذين} وبعض البصريين قدر مضافًا في صدر الكلام أي أزواج الذين وهن نساؤهم، وفيه أنه لا يبقى ليذرون أزواجًا فائدة جديدة يعتد بها، ويروى عن سيبويه أن {الذين} مبتدأ والخبر محذوف أي فيما يتلى عليكم حكم الذين إلخ، وحينئذٍ يكون جملة يتربصن بيانًا لذلك الحكم وفيه كثرة الحذف، وذهب بعض المحققين إلى أن {الذين} مبتدأ و{يتربصن} خبره والرابط حاصل جرد عود الضمير إلى الأزواج لأن المعنى يتربص الأزواج اللاتي تركوهن، وقد أجاز الأخفش والكسائي مثل ذلك ولولا أن الجمهور على منعه لكان من الحسن كان {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} لعل ذلك العدد لسر تفرد الله تعالى بعلمه أو علمه من شاء من عباده، والقول بأنه لعل المقتضي لذلك أن الجنين في غالب الأمر يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرًا ولأربعة إن كان أنثى فاعتبر أقصى الأجلين وزيد عليه العشرة استظهارًا إذ را تضعف حركته في المبادئ فلا يحس بها مع ما فيه من المنافاة للحديث الصحيح «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله تعالى ملكًا بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح» لأن ظاهره أن نفخ الروح بعد هذه المدة مطلقًا لا يروي الغليل ولا يشفي العليل، وتأنيث العشر قيل: لأن التمييز المحذوف هو الليالي وإلى ذلك ذهب ربيعة ويحيى بن سعيد، وقيل: بل هو باعتبار الليالي لأنها غرر الشهور ولذلك لا يستعملون التذكير في مثله ذهابًا إلى الأيام حتى إنهم يقولون كما حكى الفراء صمنا عشرًا من شهر رمضان مع أن الصوم إنما يكون في الأيام ويشهد له قوله تعالى: {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْرًا} [طه: 103] ثم {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْمًا} [طه: 104] وذكر أبو حيان أن قاعدة تذكير العدد وتأنيثه إنما هي إذا ذكر المعدود، وأما عند حذفه فيجوز الأمران مطلقًا ولعله أولى مما قيل، واستدل بالآية على وجوب العدة على المتوفى عنها سواء كان مدخولًا بها أو لا، وذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إلى أنه لا عدة للثانية وهو محجوج بعموم اللفظ كما ترى، وشملت الآية المسلمة والكتابية وذات الأقراء والمستحاضة والآيسة والصغيرة والحرة والأمة كما قاله الأصم والحامل وغيرها لكن القياس اقتضى تنصيف المدة للأمة والإجماع خص الحامل عنه لقوله تعالى: {وأولات الاحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وعن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس أنها تعتد بأقصى الأجلين احتياطًا وهو لا ينافي الإجماع بل فيه عمل قتضى الآيتين، واستدل بعضهم بها على أن العدة من الموت حيث علقت عليه فلو لم يبلغها موت الزوج إلا بعد مضي العدة حكم بانقضائها وهو الذي ذهب إليه الأكثرون والشافعي في أحد قوليه، ويؤيده أنّ الصغيرة التي لا علم لها يكفي في انقضاء عدّتها هذه المدّة، وقيل: إنها ما لم تعلم بوفاة زوجها لا تنقضي عدّتها بهذه الأيام لما روي «امرأة المفقود امرأة حتى يأتيها تبين موته أو طلاقه».
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي انقضت عدّتهن {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} أيها القادرون عليهن، وقيل: الخطاب للأولياء، وقيل: لجميع المسلمين {فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ} مما حرّم عليهنّ في العدّة، وفي التقييد إشارة إلى علة النهي {بالمعروف} أي بالوجه الذي يعرفه الشرع ولا ينكره، وقيد به للإيذان بأنه لو فعلن خلاف ذلك فعليهم أن يكفوهنّ، فإن قصروا أثموا {والله بما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فلا تعملوا خلاف ما أمرتم به والظاهر: أنّ المخاطب به هو المخاطب في سابقه، وجوّز أن يكون خطابًا للقادرين من الأولياء والأزواج فيكون فيه تغليبان الخطاب على الغيبة والذكور على الإناث وفيه تهديد للطائفتين، ويحتمل أن يكون وعدًا ووعيدًا لهما.